مقالات وتقارير

هدوء اجواء الانتخابات الحذر والعاصفة المحتملة

رياض سعد

الديمقراطية هي إحدى المثل العليا المعترف بها عالميا، كما أنها إحدى القيم الأساسية للأمم المتحدة… ؛ وتهيء الديمقراطية بيئة مناسبة لحماية حقوق الإنسان , واشاعة روح التنافس الوطني , والتداول السلمي للسلطة , وصيانة الحريات العامة والشخصية ؛ والنأي بالمجتمع بعيدا عن التسلط الدكتاتوري والقمع السلطوي والصراعات العسكرية واعمال العنف والانقلابات وبيان رقم واحد ؛ وفرض الآراء بقوة السلاح والنفوذ على الشعب الاعزل … الخ .

وقد تنفس شعبنا العراقي المظلوم الصعداء ؛ واستبشر فرحا بسقوط النظام البعثي القمعي والصدامي الاجرامي عام 2003 ؛ و كل ابناء الامة العراقية شجعوا قيام نظام ديمقراطي عادل في العراق ؛ الا ان الدول الخارجية الحاقدة وفلول البعث وايتام صدام ومجرمي التنظيمات الارهابية والطائفية ؛ عارضت هذه التجربة الديمقراطية وعملت على اسقاط العملية السياسية ؛ ولما عجزت عن تحقيق هذا الهدف الخبيث , راحت تنخر العملية السياسية من الداخل كالأرضة , من خلال العملاء المجرمين والخونة الفاسدين . وبسبب هذا الارث الكبير من الخراب والدمار , والمؤامرات الخبيثة المستمرة , وحداثة التجربة السياسية الديمقراطية ؛ تعرضت التجربة للعديد من الانتكاسات والازمات والخيبات ولا زالت ؛ مما افقد البعض ثقتهم بالأحزاب والشخصيات السياسية ؛ مما نتج عنه بغض العملية السياسية برمتها , وهذا ما يريده اعداء الاغلبية والامة العراقية ؛ فهؤلاء الاعداء يصنعون نماذج اسلامية ارهابية ؛ كي تبغض الشعوب الاسلام , ويسلطون الاضواء على القضايا السلبية فقط في البلدان العربية حتى يشوهوا سمعة العربي , وكذلك فعلوا في العراق , عندما دعموا الفاسدين والعملاء والفاشلين ومكنوهم من الحكم والسلطة , كي يحقد العراقي فيما بعد على النظام الديمقراطي و مبادئ حقوق الانسان والحريات العامة والخاصة ؛ ويمتدح ايام الزمن الاغبر وسنوات القهر والظلم والجور , والحكم الدكتاتوري الطائفي المقيت , والنظام الاجرامي القمعي ؛ او يطالب بنظام شبيه به …!! . ونحن في هذه المقالة لسنا بصدد تأييد بقاء مجالس المحافظات او الغاءها , او مقاطعة هذا الفريق او تلك الجماعة للانتخابات , او مشاركة تلك الجماعة في الانتخابات ؛ فهذه الامور تعد مخرجات طبيعية للعملية السياسية والتجربة الديمقراطية ؛ اذ انها تكفل حقوق الناس , وتحترم اراءهم , ولا تجبر احدا على هذا الخيار السياسي او ذاك ؛ وانما نحاول الاشارة الى مخاطر الانجرار الى الصراعات الداخلية والنزاعات العسكرية والحرب الاهلية ؛ تحت ذريعة فساد الانتخابات او بطلانها ؛ فقد سئمت الامة العراقية من عقود العنف وسنوات الاحتكام الى منطق السلاح والقتال والتخوين ؛ وامنت الامة العراقية كما امنت من قبلها شعوب الارض المتحضرة بالخيار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة , فلا يحل الخلاف بالقتال ولا تعالج الانحرافات والقرارات بالحروب والصراعات ؛ وانما بالطرق السلمية والبدائل السياسية والوسائل القانونية , والا اضحت الحياة غابة , و اصبح الواقع العراقي جحيما لا يطاق . وبعد الاعلان عن خوض الانتخابات المقبلة ؛ قامت الحكومة بتهيئة الظروف المناسبة , والاستعداد لانتخابات مجالس المحافظات , بدءا من تقديم الدعم القانوني واللوجستي وانتهاءً بالدعاية الانتخابية لكل القوائم التي ستشارك في هذه الانتخابات، بالإضافة الى انشطة وفعاليات المرشحين المادية والاعلامية والسياسية , وتفاعل جمهورهم وقواعدهم الشعبية معهم , ومن الواضح ان هذه الممارسات السياسية والانتخابية تكلف الدولة والاحزاب والمرشحين والناس ؛ الكثير من الاموال والجهود والوقت . وكما اسلفنا ؛ ان مقاطعة البعض للانتخابات امر طبيعي , بل وعدم مشاركة البعض فيها مسألة واردة في كل الانظمة الديمقراطية , إلا أن هناك بعض المخاوف من محاولة عرقلة الانتخابات او تعطيلها أو الوقوف بوجه المرشحين … ؛ والتثقيف ضد العملية السياسية برمتها ورفض الديمقراطية ؛ ما يعني أن هناك نوايا موجودة لدى بعض القوى السياسية المتضررة من إجرائها ، أو التي لا ترغب بالمشاركة فيها، او التي تأتمر بالأوامر الخارجية … ؛ الأمر الذي يفتح باب التساؤلات عن الهدف وراء المحاولات التي تجري بالخفاء بهدف تعطيل الانتخابات …؟! . وقد حذر الكاتب محمد حسن الساعدي من هذه المواقف ؛ قائلا : محاولة تعطيل الانتخابات المحلية في العراق لا تدخل في باب معارضة النظام السياسي فحسب بل تأتي في سياق عملية التخريب الممنهج ضد هذا النظام ومحاولة إنهاء أي قواعد وأسس ديمقراطية تأسست عليها هذه العلمية بعد عام 2003، وهو ما يعطي فسحة كبيرة للتدخلات الإقليمية والدولية ليكون العراق مرة أخرى ساحة حرب وصراع داخلي لا ينتهي أبداً. وهو أمر لا يمكن للقوى السياسية بكافة ألوانها أو انتماءاتها أن تعود إليه، لشعورها أن ما تحقق في الحرب الطائفية الطاحنة التي حصلت عام 2005 تسبب في خسائر للبلاد جعلتها تتأخر كثيراً في النهوض بالتنمية في كافة مجالاتها .(1) وقد صرح النائب السابق رحيم الدراجي ؛ ومن على شاشة قناة التغيير الفضائية – برنامج من بغداد الذي يقدمه نجم الربيعي – وبتاريخ ٢٩‏/٨‏/٢٠٢٣ ؛ بما يلي : (( ما تصير انتخابات الا يصير قرار سياسي ؛ وانا اعتقد انو ما تصير انتخابات اصلا , ما دام التيار الصدري خارج الانتخابات ماكو انتخابات … )). ومما جاء في كلمة رئيس الهيئة السياسية لحزب الله العراق الشيخ حيدر الهذال بتاريخ 12/11/2023 – ما مضمونه – : (( … ان الشباب والناس الذين خرجوا في تظاهرات تشرين , طالبوا بإلغاء مجالس المحافظات وتم الاستجابة لهذا الطلب .. ؛ لأنه يتوافق مع اراء وقناعات الكثيرين , بل حتى بعض الكتل السياسية بما فيها حزب الله وقتذاك , والان هنالك شرائح اجتماعية كبيرة وشيوخ عشائر يطالبون بمقاطعة الانتخابات والبعض يعارض هذه الانتخابات من خلال تمزيق اعلانات المرشحين … ؛ البلد لا يتحمل مقاطعة التيار الصدري او يتغافل عن مطالب الجماهير والشباب الذي خرجوا في تشرين من الذين طالبوا بإلغاء مجالس المحافظات وقد تم الاستجابة لهم ؛ ثم الان رجعنا الى نفس مجالس المحافظات التي رفضت سابقا … )) والذي يفهم من كلامه تأييده لإلغاء مجالس المحافظات وعدم تأييد الانتخابات والتماهي مع طلبات المقاطعين للانتخابات … .؛ و قد حذر من انجرار العراق للفتنة والصراعات . و دعا زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، اليوم الإثنين المصادف 13/11/2023، انصاره الى مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات ، وعدّ ذلك بأنه سيقلل من شرعيتها خارجياً وداخلياً … ؛ وقال السيد مقتدى الصدر في رده على سؤال من انصاره حول المشاركة في الانتخابات ، إن : “من أهم ما يميز القاعدة الصدرية هو وحدة صفها وطاعتها وإخلاصها وهذا ما أباهي به الأمم ولله الحمد .. وعليكم الالتزام بالإصلاح وإن مات مقتدى الصدر”… ؛ وأضاف ان : “مشاركتكم للفاسدين تحزنني كثيراً … , ومقاطعتكم للانتخابات أمر يفرحني ويغيظ العدا … , ويقلل من شرعية الانتخابات دولياً وداخلياً ويقلص من هيمنة الفاسدين والتبعيين على عراقنا الحبيب حماه الله تعالى من كل سوء ومن كل فاسد وظالم”… ؛ وتابع السيد مقتدى الصدر : “ثم إن الوضع العالمي والإقليمي يفيء على الاوضاع في العراق … , ومعه يجب أن نكون على حذر واستعداد دائم فالعدو يتربص بعراقنا ومقدساتنا فانتبهوا رجاءاً أكيداً”. وكان رئيس “ائتلاف دولة القانون” نوري المالكي قال إن “كل المراهنات على تأجيل موعد الانتخابات والتحشيد على عدم الإقبال على صناديق الاقتراع، جميعها فاشلة”… ؛ وأضاف خلال المهرجان الانتخابي لكتلته، قبل أيام، أن “من يتحدث عن إلغاء أو تأجيل الانتخابات يجهل أنها استحقاق دستوري وجماهيري”، لافتاً إلى أن “تعطيل الانتخابات وحل المجالس يعد تعطيلاً لأحد أركان الديمقراطية”… ؛ وفي المقابل، أشار عضو “الإطار التنسيقي”، حسن فدعم : إلى أن كتلته تدعم إجراء الانتخابات المحلية في موعدها المقرر، لافتاً في تصريح صحافي إلى أن “عدم اشتراك التيار الصدري ليس مبرراً لتأجيلها”… ؛ وأضاف أنه “لا يوجد طرف داخل الإطار يرغب أو يسعى إلى التأجيل، لذلك الأمور ذاهبة باتجاه إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، وليس إلى التأجيل أو الإلغاء”.

ولكن هنالك الكثير من الضغوط الخارجية والداخلية التي من الممكن لها ان تؤثر في سير الانتخابات او في تداعياتها ومخرجاتها , والتي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار ؛ و سأذكر بعضها على شكل نقاط :

1- تداعيات الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة , واحتمالات تفاقم الأزمة لتشمل دول عدة في المنطقة , خصوصاً مع عودة التوترات الأمنية واستئناف بعض الفصائل العراقية وحركات المقاومة المسلحة عملياتها العسكرية التي تستهدف المصالح الأميركية في البلاد… ؛ مما قد يدفع بعض تلك الفصائل للتنسيق مع التيار الصدري لعرقلة او تعطيل الانتخابات , او التماهي مع ردة فعل التيار الصدري بعد الانتخابات , واستثمارها على الارض .

2- خوف بعض القوى السياسية من استفزاز التيار الصدري وجره الى المواجهة ؛ عندما تجري الانتخابات مع المقاطعة الصدرية , لذلك تعمل هذه القوى على تأجيل الانتخابات ومشاركة التيار الصدري فيها .

3- ربما تمثل الضغوط الخارجية وتحديداً الأميركية حجر عثرة إضافي أمام إمكان إجراء الانتخابات في موعدها، خصوصاً مع عدم إيفاء أطراف “الإطار التنسيقي” بالتزاماتهم التي تشكلت بموجبها حكومة السوداني … ؛ والتي منها حماية السفارات الاجنبية ولاسيما السفارة الامريكية وكذلك القواعد العسكرية ؛ فالحكومة العراقية في وضع لا تحسد عليه ؛ فمن باب التيار الصدري يهدد باقتحام السفارة , ومن باب اخر بعض الفصائل العراقية تدعو للمواجهة المسلحة مع الامريكان ,بالإضافة الى ضرورة التزام الحكومة العراقية بالمعاهدات الدولية ومراعاة الضغوط الخارجية والتطورات الاقليمية … ؛ ويشير الباحث والكاتب مصطفى ناصر إلى محاور عدة ربما تسهم في عرقلة إجراء الانتخابات المحلية، لعل أبرزها : “المخاوف الكبيرة من تطور الأحداث في الساحة الإقليمية، خصوصاً في حال اتخذت واشنطن قراراً برسم استراتيجيات بديلة عن تلك السابقة التي تبلورت وفق الاتفاق مع طهران في شأن تشكيل الحكومة العراقية الحالية”… ؛ ويقول ناصر في حديثه لـ”اندبندنت عربية” : “إن القصف شبه اليومي الذي تنفذه الفصائل المسلحة المدعومة من إيران على القواعد الأميركية ربما يؤدي إلى تحركات من واشنطن في شأن الانتخابات في العراق”.

4- بالإضافة الى تأثيرات الوضع الداخلي المأزوم ؛ فمن تدهور أسعار صرف الدينار مقابل الدولار الأميركي , والغلاء , والركود الاقتصادي , وتفشي الفساد والبطالة ؛ وصولا الى خراب البنى التحتية وتلكؤ انجاز المشاريع المعطلة و عدم اقرار وتفعيل القوانين الضرورية, وسوء تقديم الخدمات اللائقة بالمجتمع العراقي وامكانيات العراق .

5- ويسود اعتقاد في الأوساط السياسية، أن بعض المحافظين الحاليين يدفعون بشكل أو بآخر باتجاه تأجيل موعد الانتخابات المحلية خوفاً من خسارة مناصبهم بعد الانتخابات، وهذا الأمر أيضاً مثل دافعاً إضافياً لعديد من الكتل السياسية لإجراء الانتخابات في موعدها.

6- وعلاوة على جملة العوامل تلك، تثير الإشكالات الاقتصادية التي تعصف بالأجواء العراقية احتمالية انخفاض كبير في الإقبال على الانتخابات و مخاوف من المشاركة الضئيلة ، إلا أن هذا الأمر بحسب مراقبين لن يمثل دافعاً لتأجيل الانتخابات، خصوصاً مع إجراء انتخابات برلمانية عدة بنسب اشتراك ضئيلة جداً… ؛ الا ان البعض أكد بأن نسبة العزوف عن الانتخابات المرتقبة قد تصل إلى حدود 70 في المئة أو أكثر من ذلك.

قد تتسبب الانتخابات او نتائجها ؛ بردة فعل غير متوقعة من هذا الفصيل او تلك الجماعة ؛ كما ان تعطيلها قد يسبب ردود فعل قوية , ومما لا شك فيه حصول اعتراضات ومناكفات سياسية وشعبية ؛ لان اعداد المرشحين بالمئات و هؤلاء لهم قواعد شعبية و مؤيدين ومن ورائهم كتل واحزاب سياسية وفصائل مقاومة ؛ وقد تتدخل بعض القوى والمخابرات الدولية لإشعال فتيل الازمات والنزاعات الداخلية بين الاطراف العراقية والاحزاب والتيارات السياسية ؛ ومن الشواهد على ذلك تعرض مواطنين في العمارة لمحاولة اغتيال , وكذلك حدوث اعتداء على النائب داود العيدان في ذي قار , كما تعرض مدير تربية قضاء الرفاعي جواد الركابي الى محاولة اغتيال فاشلة … والحبل على الجرار ؛ وبما ان بعض الجهات المعادية تحاول جر العراق الى حافة الهاوية وتصطاد في الماء العكر ؛ فأمام السياسي العراقي الاصيل ثلاث خيارات لا رابع لها : الاول : تأجيل الانتخابات ومحاولة اشراك القوى السياسية المقاطعة فيها ؛ والثاني : تقديم التنازلات والامتيازات والضمانات للفريق المقاطع , والثالث : التعامل بالقوة والحزم مع الفصيل الذي يعمل برأيه او بإملاءات خارجية , ضاربا بآراء ومقررات الاغلبية والامة العراقية عرض الجدار ؛ والذي يحاول جر العراق وبهواه ومزاجه الى حروب غير متكافئة ؛ وعليه يجب على ساسة الاغلبية الاصلاء والشرفاء حقن الدم الشيعي والعراقي من خلال تقديم التنازلات كما فعلوها كثيرا مع هذا وذاك , وتجنيب العراق ويلات الصراعات والازمات .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى