الوجه الجديد للبراغماتية السياسية في العراق
مصطفى ملا هذال
حالة من العصف العاطفي اجتاحت الوسط والجنوب العراقي بعد ظهور الصورة في التوقيت الخطأ، لاسيما وان الفياض يعرف جيدا حجم الاستفزاز الذي يسببه هذا اللقاء وان كان غير مخطط له وجرى بشكل عفوي، لكن الذاكرة العراقية طبعت هذه الصورة وخزنتها في ارشيفها الذي لا تغادره جميع المشاهد المظلمة…
من الطبيعي ان يتجاهل الجيل الحالي الحديث عن حقبة النظام السابق، وما تحمله فترة حكمه من ظلم واستبداد في السلطة وتدمير لجميع معالم الإنسانية، وببساطة فان عدم الحديث بذلك الزمن لأنهم ولدوا في العقديين الماضيين، ولم يعايشوا الاحداث المأساوية التي عاشها غيرهم، لكن الجيل الحالي لا يمكن ان ينسى الصورة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض يصافح القيادي السني البارز علي حاتم السليمان.
ظهور الفياض الى جانب السليمان اثار حفيظة شريحة واسعة من أبناء المحافظات الجنوبية والوسطى التي تعتقد ان الأخير هو المتسبب المباشر في العديد من المجازر التي حصلت لأبنائهم وبالتالي من دواعي الانصاف بحق دماء الشهداء واسرهم عدم اجراء أي لقاء مهما كان المبرر فهو لا يبرر هذه الخطوة غير المدروسة.
هيئة الحشد الشعبي ردت على ردود الأفعال الصادرة من بعض الجهات الشعبية والشخصيات السياسية وجاء في بيان لها ما نصه: “تداولت بعض الصفحات والقنوات الصفراء في مواقع التواصل الاجتماعي خبراً مزوراً عن زيارة رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض الى علي حاتم سليمان بمنزله في الانبار، وفي الحقيقة نريد ان ننوه بأن زيارة الفياض إلى محافظة الأنبار كانت بتوجيه مباشر من قبل دولة رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني ممثلاً عن الحكومة الاتحادية من أجل بحث ومتابعة آخر المستجدات الأمنية في المناطق المحررة حفاظاً على وحدة العراق من المشاريع الداعية الى تمزيق وحدته والتي تحاك من قبل بعض اعداءه من الداخل خفاءً”.
وضمن التعليقات الصادرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قال حساب “دبلوماسي عراقي، إن “لقاء الفياض والسليمان مخطط ومبرمج منذ مدة ولا صحة لما ورد ببيان الحشد أن الفياض فوجئ بوجود السليمان، الاجتماع استكمال لترتيبات سابقة تأجلت لأسباب عدة ويعتقد الطرفان أنه آن أوان تنفيذها وأهمها صناعة حزب سني جديد يزيح الوجوه المسيطرة حالياً على المناطق الغربية العراق”.
البيان غير مقنع بالنسبة لكثيرين ومن بينهم أبناء جلدة الفياض، وعدم القناعة تأتي من الابتسامة العريضة التي ظهرت رسمت محيا السليمان، وكأنه التقى بعزيز يفتقده لسنين طوال!
وبالتأكيد ان الابتسامة قُوبلت بأخرى وان لم تكن تحمل درجة عالية من الصدق لكنها اشعلت الأجواء في المناطق الشيعية، ذلك لأنها في غير محلها ولها دلالات كثيرة.
من بين هذه الدلالات هي قد يكون الحشد الشعبي وعلى يد رئيسه فالح الفياض انتهج سياسية “عفا الله عما سلف” او وجه جديد للبراغماتية السياسية في العراق، وان صحت هذه النبوءة فهي الأخرى تعد خطأ جسيم بحق المضحين من أبناء المحافظات العراقية كافة، الذين سطروا البطولات وقدموا التضحيات من اجل طرد الإرهاب الداعشي الذي تتهم بدخوله بعض المحافظات السنية.
وإذا كانت النية مبيته لإجراء لقاء بين الفياض والسليمان، فلماذا تتظاهر هيئة الحشد الشعبي بعدم الدراية؟، وان اللقاء كان مصادفة ضمن جولة اجراها الفياض للقاء شيوخ العشائر في محافظة الانبار من اجل إعادة بناء اللحمة الوطنية والتأكيد على المشتركات الكثيرة للجم الافواه المنادية بضرورة انشاء إقليم سني في تلك المناطق.
حالة من العصف العاطفي اجتاحت الوسط والجنوب العراقي بعد ظهور الصورة في التوقيت الخطأ، لاسيما وان الفياض يعرف جيدا حجم الاستفزاز الذي يسببه هذا اللقاء وان كان غير مخطط له وجرى بشكل عفوي، لكن الذاكرة العراقية طبعت هذه الصورة وخزنتها في ارشيفها الذي لا تغادره جميع المشاهد المظلمة.
يقول مراقبون للشأن السياسي العراقي كان حريا برئيس هيئة الحشد الشعبي ان يرفض الدخول الى المضيف الذي يتواجد فيه علي حاتم السليمان، او يمتنع عن المصافحة وذلك أضعف الايمان، وبالطبيعي لو أقدم على هذا التصرف لكبر بعيون جمهوره وتحول موقفه هذا الى جانب المواقف البطولية التي تقدم بها ابطال الحشد في ساحات المعارك الضارية ضد أعداء الإنسانية.
اللقاء الأخير لحد هذه اللحظة لم يتضح شيء عن مخرجاته على ارض الواقع، التكهنات كثيرة ووجهات النظر متعددة ازاءه، لكن الشيء الوحيد الذي نتج عنه انه بعث بالمواقف العدائية المؤدة الى الوجود، واعاد الى اذهان الجيل الحالي كل ما يرتبط بالماضي القريب، في الوقت الذي يعتقد أبناء هذا العصر ان وطنهم صار كحبل غسيل تعلق عليه صور أبطال مزورين ومسؤولين غير حقيقيين استولت عليهم المصالح الضيقة والاطماع الرخيصة.