التعداد السكاني وأثره على عدد أعضاء مجلس النواب في العراق
دريد توفيق/
من القضايا الجوهرية في المشهد الانتخابي العراقي مسألة التعداد السكاني وتأثيره على تكوين مجلس النواب، حيث يعتمد عدد أعضاء المجلس على قاعدة رئيسية تنص عليها المادة 49 من الدستور العراقي، والتي تحدد أن يكون هناك مقعد واحد لكل 100,000 نسمة. ورغم النص الدستوري الواضح، جاء قرار المحكمة الاتحادية العليا عام 2014 لتجميد عدد أعضاء مجلس النواب عند 329 نائبًا، نظرًا لعدم وجود تعداد سكاني رسمي دقيق يحدد عدد السكان في كل محافظة.
أسباب عدم إجراء التعداد السكاني وتبعاته
التعداد السكاني الرسمي الأخير في العراق أُجري في عام 1997، ولكنه لم يشمل بعض المناطق مثل إقليم كردستان ولم يعترف به المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة. ومنذ ذلك الحين، لم يجرَ تعداد رسمي حديث، ما يعني عدم وجود أرقام دقيقة لتوزيع السكان في مختلف المناطق والمحافظات. ولهذا السبب، اعتمدت المحكمة الاتحادية على قرار تثبيت العدد الحالي لأعضاء المجلس.
انعكاسات إجراء تعداد سكاني جديد على عدد أعضاء مجلس النواب
إجراء تعداد سكاني حديث في العراق سيحمل انعكاسات عميقة على الهيكل الانتخابي وعدد مقاعد مجلس النواب. فبموجب المادة 49، سيتغير عدد الأعضاء وفقًا للتعداد الجديد، ما يعني أن أي زيادة سكانية في محافظة معينة ستترجم إلى زيادة في عدد مقاعدها. وهذا قد يعيد توزيع القوى في مجلس النواب بين المحافظات، حيث ستتمتع المحافظات ذات النمو السكاني المرتفع بتمثيل أكبر، في حين قد تشهد محافظات أخرى استقرارًا أو حتى انخفاضًا في عدد المقاعد إذا كان النمو فيها أقل.
المحافظات المستفيدة والمحافظات المتضررة
بناءً على التوقعات السكانية، من المحتمل أن تستفيد بعض المحافظات الكبيرة مثل بغداد ونينوى والبصرة من التعداد الجديد، حيث يمكن أن تشهد زيادة ملحوظة في عدد مقاعدها بسبب الكثافة السكانية العالية والنمو السكاني المتزايد فيها. أما المحافظات التي لم تشهد نموًا مماثلًا، فقد تظل نسبة تمثيلها كما هي، وربما تتراجع في حالة بروز تفاوت ملحوظ في النمو بين المحافظات.
التأثير على القوائم الانتخابية والمرشحين
زيادة عدد أعضاء مجلس النواب ستؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة عدد المرشحين المحتملين ضمن القوائم الانتخابية، حيث سيترتب على الكيانات السياسية إعادة حساباتها الاستراتيجية لاستيعاب هذه التغيرات. ستكون الكيانات السياسية مطالبة بتوسيع قوائم مرشحيها، ما قد يزيد من فرص الشباب والنساء في الحصول على مقاعد. كما يمكن أن تعزز هذه التغيرات من فرص الأحزاب الجديدة أو الصغيرة، حيث سيكون التنافس على المقاعد موزعًا بشكل أوسع وأكثر انفتاحًا.
التحديات التي ستواجه الأقليات الدينية والعرقية
أحد التحديات التي يمكن أن تنبثق عن إعادة توزيع المقاعد هو كيفية التعامل مع حصة الأقليات الدينية والعرقية، مثل المسيحيين والصابئة والإيزيديين، الذين يحظون بنظام خاص من المقاعد المخصصة لهم ضمن نظام الكوتا. في حال زيادة عدد المقاعد في المجلس، ستحتاج الكيانات السياسية إلى النظر في كيفية إعادة توزيع حصة هذه الأقليات بشكل يتناسب مع الزيادة العامة، ما يضمن تمثيلهم بشكل عادل وفعال.
تأثير التغيير على الكيانات السياسية واستراتيجياتها الانتخابية
من المتوقع أن يشكل التعداد السكاني في حال إجرائه تحديًا استراتيجيًا للكيانات السياسية، حيث ستكون مجبرة على إعادة النظر في توزيع مواردها وجهودها الانتخابية وفق المعطيات الجديدة. المحافظات التي ستشهد زيادة في عدد المقاعد ستتطلب اهتمامًا أكبر، بينما قد تضطر بعض الكيانات إلى تقليص جهودها في محافظات أخرى.
الخاتمة
إجراء تعداد سكاني رسمي في العراق سيكون له تأثيرات جوهرية على عدد أعضاء مجلس النواب وعلى توزيع المقاعد بين المحافظات، وسينعكس ذلك بشكل واضح على استراتيجيات الأحزاب وخططها الانتخابية، وسيُعيد تشكيل المشهد السياسي في البلاد. ستبرز الحاجة إلى آليات تشريعية وإدارية تضمن توزيعًا عادلًا ومنصفًا للأقليات ضمن التركيبة الجديدة، ما سيتطلب تعاونًا واسعًا بين السلطات المختلفة لتحقيق هذا الهدف وضمان استقرار العملية الديمقراطية في العراق.