جراح النفس في غزة لا تندمل: تداعيات الحرب على الصحة النفسية

تقرير : نورهان أبو ربيع – غزة
في شوارع غزة المدمّرة، لا تنحصر المعاناة في الدمار المادي فقط، بل تتفجّر الآلام من تحت الأنقاض، وتخترق الأعماق لتنهك الأرواح والنفوس. الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر، بما تحمله من قصف متواصل، ورعب يخترق القلوب، وانقطاع المياه والكهرباء، وفقدان الأحبة، أفرزت أزمة نفسية متفاقمة، لا سيما لدى الأطفال والشباب الذين يعيشون كل لحظة تحت وقع القصف وأصوات الانفجارات المتكررة.
طفولة مسلوبة
في حين يحلم أطفال العالم بأن يصبحوا روّاد فضاء أو نجوم كرة قدم أو أطباء، يضيق الحلم في غزة ليقتصر على أبسط مقومات الحياة.
الطفلة سندس، ذات العشرة أعوام، والنازحة في أحد مخيمات الشاطئ، تقول: “نفسنا نعيش مثل الأطفال، نلعب بدون خوف، نفسنا نروح على المدرسة، هذا أكثر شيء أفتقده في حياتي”.
تبدلت الأحلام الطفولية في غزة إلى كوابيس واضطرابات نفسية حادة. منذ بدء الحرب، يعيش الأطفال في حالة خوف دائم، فالتصعيد العنيف عمّق أزمتهم النفسية، وبدّد آمالهم البريئة.
أما الطفل أسعد، البالغ من العمر 12 عاماً، والذي نزح من منزله في بيت لاهيا، فيروي: “كنت أحلم أن أصبح مهندساً مثل والدي، لكن حلمي الآن أن تتوقف هذه الحرب التي سرقت طفولتنا”.
شباب بلا أفق
وعند الحديث عن الشباب، نجد أن الأمل قد تلاشى من أعينهم، وتحول مستقبلهم إلى ركام وسط الإحباط والشعور بالعجز.
محمد، طالب جامعي يبلغ من العمر 21 عاماً، يقول: “نجونا من الموت عدة مرات أثناء نزوحنا، كنا نرغب أن نصبح شيئاً ما في المستقبل، لكن الحرب حطمت أحلامنا وتدهورت حالتنا النفسية”.
بدأ الاكتئاب يتفشى بشكل لافت بين الشباب، الذين لم يعد لديهم من أمل سوى البقاء على قيد الحياة.
تدهور الحالة الصحية والنفسية
منذ 7 أكتوبر، تراجعت قدرة المراكز الصحية في غزة بشكل كبير، إذ تعاني المستشفيات من نقص حاد في الكوادر والموارد الأساسية، ما يجعل الاهتمام بالصحة النفسية شبه غائب.
توضح الدكتورة نوال عسقول، أخصائية نفسية في أحد مراكز غزة: “صدمات المجاعة لم تؤثر فقط على الجسد المادي، بل تجاوزت ذلك إلى الجهاز العصبي، والجسد العاطفي والروحي، ما أدخل كثيرين في حالة تُعرف بالاكتئاب الشفاف”.
وتضيف: “ما يعيشه الإنسان بصمت وبلا اختيار، يترك في داخله آثاراً عميقة يصعب الشفاء منها”.
تشير عسقول أيضاً إلى أن الأطفال والشباب لم يتجاوزوا بعد صدمة الفقد، ما يسمح بتشكل جذور خفية لأمراض وآلام لا يستطيع الطب الحديث توصيفها بدقة.
خاتمة: جراح لا تندمل وآلام لا تُنسى
في غزة، لا تُشفى الجراح سريعاً، وخصوصاً تلك التي لا تظهر للعين المجردة. ومع استمرار الحرب، تتغلغل مشاعر الخوف والألم في النفوس. وإذا لم يُعالج هذا النزيف النفسي، فإن آثاره ستبقى لعقود، تاركة للأجيال القادمة عبء ما عاشه الغزّيون في هذه الأيام العصيبة.