اخبـار العراقالاقتصادية

“الأطلسي”: العراق أمام أزمة وجودية تتطلب تحولاً نحو الزراعة المتجددة

حذر معهد “المجلس الاطلسي” ، يوم الأحد، من أن العراق يقف على مفترق بيئي خطير، مع تقلص الأراضي الصالحة للزراعة سنويًا ونزوح سكان الأرياف إلى المدن، في ظل تصاعد درجات الحرارة وتفاقم التصحر وشح المياه، وفيما أكد أن هذه التحديات لا تهدد التراث الزراعي للبلاد فحسب، بل تمس أمنها القومي، دعا إلى تبني ممارسات الزراعة المتجددة وإصلاح السياسات الزراعية كخيار إستراتيجي لإنقاذ القطاع وضمان استدامته.

وذكر المعهد في تقرير ترجمته “وطن نيوز” ، ان “الأراضي الصالحة للزراعة في العراق تتقلص سنويا مما يدفع سكان الأرياف الى المدن المزدحمة، في حين أن الممارسات الزراعية التقليدية، تفاقم من سرعة الازمة وحدتها، ولهذا العراق يحتاج الى تفعيل ممارسات الزراعة المتجددة وإصلاحات في تطبيق السياسات الزراعية”.

واوضح التقرير ان “درجات الحرارة تتخطى 50 درجة مئوية والتصحر يدمر 400 ألف فدان سنويا، والعراق يقف على مفترق طريق بيئي حرج، حيث لا يهدد تغير المناخ وتدهور الأراضي وشح المياه تراثه الزراعي فقط، بل امنه القومي”.

واكد ان “هناك طريقة زراعية ناشئة لها جذور تاريخية تسمى الزراعة التجديدية والتي تتكيف بشكل مبتكر مع الظروف الحديثة، ويمكن اعتبارها حلا قابلا للتطبيق للعراق، كما ان الابحاث تظهر ان هذا النهج يمكن أن يزيد من إنتاجية المزرعة بأكثر من 70% ويحد في الوقت نفسه تكاليف الطاقة بنسبة 45 %، وبهذا فإن الحكومة العراقية التي تدعم حاليا 50 % من تكاليف مبيدات الآفات والمدخلات الكيميائية، قادرة على توفير أموال كبيرة من خلال تقليل الانفاق على دعم المبيدات والأسمدة الكيميائية”.

ولفت التقرير إلى “الازمة الوجودية التي تواجه المزارعين العراقيين والنزوح الجماعي من الأرياف إلى المدن”، موضحا انه “باعتماد أساليب زراعية حديثة ومستدامة، قد يؤدي ذلك الى تجديد المجتمعات الريفية وتخفيف الضغوط الحضرية، مما يوفر طريقا نحو التجديد الزراعي والاستقرار الاجتماعي”.

وتابع ان “الهدف هو ليس فقط تقديم حل للتحديات الزراعية، وإنما القيام بعملية إعادة تصور للنهج الزراعي في العراق، بما سيشكل نقلة نوعية للدولة والمزارعين، بالاعتماد على دراسات الحالة الدولية الناجحة والخبرة المحلية، يقدم هذا الموجز توصيات قابلة للتنفيذ لتوسيع نطاق هذه الممارسات على الصعيد الوطني، حيث يوضح موجز السياسة هذا انه يمكن معالجة التحديات البيئية للعراق من خلال التدخلات الاستراتيجية التي تعيد بناء صحة التربة، وزيادة التنوع البيولوجي، وتخفيف الآثار المناخية”.

ودعا التقرير الى “تطبيق نهج ثلاثي الأطراف، من خلال ممارسات زراعية مستهدفة تعطي الاولوية للإصلاح البيئي والإنتاج المستدام، والقيام بإصلاح السياسات المرتبطة بالزراعة المستدامة ودعم المزارعين الذين ينتقلون الى اساليب الزراعة التجديدية، وثالثا من خلال التعاون الدولي للاستفادة من الخبرة العالمية والتكنولوجيا والتمويل من أجل اعتماد الزراعة المتجددة على نطاق واسع”.

ونوه الى “عدم وجود آليات منهجية لجمع البيانات ورصدها، كما أن التنسيق مشتت بين السلطات الوطنية والمحلية، بينما تعمل المشاريع البيئية القائمة في عزلة دون الاندماج في الاستراتيجيات الوطنية الأوسع لإدارة الزراعة والمياه”، مشيرا الى ان “المزارعين ينفقون حاليا 200 دولار على مبيدات الآفات لكل هكتار من الأرض، وغالبا ما تغطي برامج الدعم الحكومية نصفها، لكنه لفت ايضا الى فشل السياسات الحكومية في التمييز بين المدخلات الكيميائية والعضوية”.

واقترح التقرير على صعيد الإجراءات قصيرة الأجل، “إنشاء قاعدة بيانات رقمية مركزية داخل وزارة البيئة لتتبع نتائج المشروع وتحسينات جودة التربة وأساليب استخدام المياه، وتشكيل فرقة عمل بين وزارات البيئة والموارد المائية والزراعة لتبسيط الموافقات على المشاريع وتخصيص الموارد، وتطوير وحدات تدريبية عملية للمزارعين، مع التركيز على تقنيات الري الموفرة للمياه وطرق استعادة التربة، وإطلاق برامج تقدم حوافز مالية للمزارعين الذين يتبنون ممارسات زراعية مستدامة”.

واستدرك: “أما فيما يتعلق بالإجراءات متوسطة الأجل (من سنتين الى 5 سنوات)، يجب توسيع نطاق المشاريع التجريبية الناجحة لتشمل مناطق جديدة، مع إعطاء الأولوية للمناطق الأكثر تضررا من التصحر، وإصلاح السياسات وإقامة برنامج اعتماد للممارسات الزراعية المتجددة، وربط تنفيذ هذه الممارسات بالوصول التفضيلي الى الدعم الزراعي الحكومي، واقامة مراكز اقليمية لتبادل المعرفة حيث يمكن للمزارعين الناجحين توجيه الآخرين في التقنيات المستدامة”.

واوضح انه “فيما يتعلق بالمبادرات الاستراتيجية طويلة المدى (أكثر من 5 سنوات)، يجب دمج مشاريع الترميم البيئي في الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي في العراق، وانشاء صندوق زراعي مستدام مدعوم من كل من المخصصات الحكومية والجهات المانحة الدولية، وتطوير مناطق زراعية مقاومة للمناخ مع الدعم والبنية التحتية المتخصصة، واقامة شراكات بحثية بين الجامعات العراقية والمؤسسات الدولية لتحسين تقنيات الزراعة المناسبة لمناخ العراق”.

وذكر التقرير ان “الزراعة المتجددة تمثل نهجا تحويليا أظهر نجاحا في مكافحة التدهور البيئي في كل أنحاء العالم”، مشيرا الى “منطقة تيغراي الاثيوبية، حيث أعادت هذه الممارسات مليون هكتار من الأراضي المتدهورة الى الاراضي الزراعية المنتجة بحلول العام 2012، مما ادى الى تحسين الأمن الغذائي بشكل كبير”.

واكد ان “العراق الذي يحتفى به تاريخيا باعتباره “مهد الحضارة”، يواجه ازمة بيئية لا سابق لها تهدد اساسه الزراعي واستقراره الوطني، حيث يتعرض قطاعه الزراعي الى الخراب بسبب التغيير المناخي وشح المياه”، مبينا ان “تقديرات برنامج الأمم المتحدة الانمائي، تشير الى ان العراق يخسر نحو 400 ألف فدان من الأراضي الصالحة للزراعة سنويا بسبب التدهور، في حين تشير تقديرات وزارة الزراعة الى ان 70% من الأراضي الزراعية معرضة للتصحر، بينما تراجع تدفق كل من نهري دجلة والفرات بنسبة 60% في العقود الأخيرة، مما أدى إلى تفاقم ملوحة التربة وندرة المياه”.

وبحسب التقرير، فإن “هذا التدهور البيئي، بالاضافة الى عقود من الصراع والإهمال، ادى الى تحويل العراق من قوة زراعية ساهمت الزراعة بنسبة 20% من ناتجه المحلي الإجمالي قبل العام 2003، الى دولة تعتمد على الواردات الغذائية، حيث تمثل الزراعة 3.3 % فقط من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2019″، مشيرا الى “الفوائد المحتملة للزراعة المتجددة في العراق، حيث كانت المزارع التي تستخدم ممارسات التجديد أكثر قدرة على التكيف مع ظروف الجفاف بنسبة 78% مقارنة بالمزارع التقليدية، كما أن المزارع ذات الممارسات المتجددة حققت ارباحا اكبر بنسبة 78% مقارنة بالمزارع التقليدية التقليدية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الانظمة التجديدية والعضوية تستخدم طاقة أقل بنسبة 45 % ومياه أقل بنسبة 40 % من الأنظمة التقليدية”.

وذكر التقرير ان “السياسات الزراعية العراقية، التي تقودها وزارة الزراعة في ظل ادارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، تعكس نهجا تقليديا يعطي الاولوية للإنتاج الفوري وخلق فرص العمل على الاستدامة”، مشيرا الى ان “رؤية الحكومة تركز على آليات الدعم التقليدية من خلال توزيع البذور، واعانات المحاصيل الأساسية، والتعريفات الجمركية الوقائية للانتاج المحلي، بالاضافة الى شراء ضمانات للمحاصيل الاستراتيجية من القمح والشعير، وإعانات المعدات ودعم البنية التحتية، والقيود الموسمية على الاستيراد لحماية المزارعين المحليين، وصيانة نظام الري الأساسي”.

ولفت الى ان “ادارة السوداني قدمت مبادرة منفصلة لمواجهة التغيير المناخي من خلال وزارة البيئة والمبعوث الخاص لتغير المناخ، إلا أن هذه السياسات البيئية لا تزال تتسم بالانفصال عن البرامج الزراعية”، منوها الى ان “النهج المجزأ بمعالجته كل من الاحتياجات الزراعية والمناخية بشكل منفصل، فانه بذلك يفشل في خلق اوجه الترابط اللازمة للاستدامة البيئية على المدى الطويل”.

واشار التقرير الى “تعارض في برامج دعم المزارعين التابعة لوزارة الزراعة مع المبادرات التابعة لوزارة الموارد المائية وخطط العمل المناخي لوزارة البيئة”، لافتا ايضا الى “وجود تنسيق محدود للسلطات الاتحادية والاقليمية بما يشتت تطبيق السياسات، في حين ان الحوافز المالية لا تزال تركز على الطرق التقليدية بدلا من التجديد”.

واعتبر ان “الفرص كبيرة للقيام بتدخل في السياسات لتعزيز الزراعة المتجددة، من خلال خطوات منها ملائمة الزراعة المتجددة مع الأولويات الحكومية”، موضحا ان “صناع السياسات في العراق، وخصوصا في جنوب العراق ونينوى، يحرصون على دعم المزارعين المحليين والمجتمعات الريفية، لانهم يعتمدون على دعمهم خلال الانتخابات”، داعيا الى “معالجة تغير المناخ والتحديات البيئية وإشراك المهندسين والخبراء الزراعيين حيث يتوفر في العراق عدد كبير من المهندسين الزراعيين وخريجي الكليات الزراعية، وكثير منهم يحتاج حاليا الى العمل في هذا القطاع”.

وخلص التقرير إلى أن “العراق يقف في لحظة محورية في تاريخه الزراعي، حيث تواجه الارض التي انجبت الزراعة قبل 12 ألف عام حاليا أزمة وجودية لا تهدد تراثها الزراعي فقط، بل تهدد بقاءها كأمة، كما أن تغير المناخ وشح المياه وتدهور الأراضي لا يمثل تحديا فقط، بل تفويضا عاجلا للقيام بعملة تحول، وهو لا يتعلق فقط بالحفاظ على الزراعة، وإنما بإعادة تصورها بالكامل”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى