مقالات وتقارير

النطفة الملعونة

عزيز الدفاعي

وجَّهت رغد صدام حسين، في اليوم العاشر من محرَّم الحرام، رسالة تعزية إلى الشعب العراقي، زعمت فيها أن جدَّها هو الإمام الحسين بن علي، مستندةً إلى (شجرة نسب مزوَّرة )كان نقيب السادة الأشراف، ناجح محمد حسن الأعرجي، قد ألغاهـا بعد ثلاثة أيام فقط من هروب الطاغية عام 2003، بعدما ثبت بالدليل القاطع أنها منتحلة ومسروقة.

تعود القصة إلى تشرين الأول من عام 1979، حين تولّى صدام رئاسة الجمهورية بعد إقصاء أحمد حسن البكر وتصفيته لقيادات حزب البعث، ومنح نفسه لقب “مهيب ركن” رغم هروبه سابقًا من خدمة العلم. في ذلك الوقت، وصل إلى مكتب المرجع الديني الراحل السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) مندوبٌ عن خير الله طلفاح، يحمل كتابًا بعنوان “النجوم الزواهر في شجرة الأمير ناصر”، يتضمن نسبًا منتحلًا يربط خير الله طلفاح وصدام بآل النبي (صلى الله عليه وآله)، طالبًا مباركته وختمه على صحته. لكن السيد الخوئي رفض ذلك بإصرار.

شجرة النسب المزعومة كان طلفاح قد انتزعها بالقوة والتهديد من السيد أحمد الرفاعي، الذي كان لعائلته تكية صوفية في تكريت، وأضاف إليها اسم جدٍّ آخر لعشيرة البيكات، ليصبح طلفاح وصدام “سادة” ينتسبان إلى آل محمد (ص). ويكفي مقارنة شجرة نسب السادة الرفاعيين بالشجرة المزورة لطلفاح لإثبات التلاعب.

شارك في الترويج لهذه الشجرة المزورة شخصٌ من كربلاء يُدعى محمد سعيد آل ثابت، التقى به طلفاح خلال حضوره احتفالًا بمولد الإمام علي (ع)، إضافةً إلى إجبار مؤرخَين شيعيين تحت التهديد ليلًا على التوقيع بصحة النسب، وإلا فالإعدام مصيرهما.

نُشرت الشجرة المزورة لأول مرة في مجلة ألف باء، وتعمد صدام إخراج القضية إلى الرأي العام في أوج الحرب ضد إيران، حين قام بزيارة كربلاء والصلاة عند ضريح الإمام الحسين، لتتصدر الصحف بعنوان صادم: “صدام حسين يزور ضريح جده الحسين”. وقد أثار ذلك سخرية ملايين العراقيين الذين يعرفون أن صدام كان قد شارك، مقابل أجر، في محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم، وكان وقتها يعمل مساعد سائق.

وللمبالغة في ترسيخ الكذبة، أصدر مجلس قيادة الثورة بعدها قرارًا يعاقب كل من يدعي زورًا نسبًا إلى آل البيت أو يدخل أسرته في شجرتهم المطهرة!

وهذه الممارسات لم تقتصر على صدام وحده؛ فقد سبقه أو لحقه آخرون في التاريخ المعاصر حاولوا تزييف أنسابهم لكسب شرعية دينية أو اجتماعية، مثل الملك فاروق آخر ملوك مصر، الذي حاول عام 1952 إثبات نسبه إلى النبي ﷺ عبر والدته الملكة نازلي، وحصل على تأييد من نقابة الأشراف، لكن الباحثين أثبتوا أن نازلي حفيدة لضابط فرنسي، فسقط الادعاء وأثار سخرية واسعة.

وأقول في الختام لبطلة “مجزرة تكريت” (سبايكر)، زوجة المجرم حسين كامل الذي أمر بقصف ضريح “جده” الحسين وأخيه العباس بالمدفعية الثقيلة: إذا كان أبوك قد ادعى زورًا الانتساب إلى أطهر شجرة نسب، فلماذا قتل من أبناء رسول الله في العراق أعدادًا تفوق ما فعله طغاة بني أمية ومن جاء بعدهم؟! لماذا قتل شهداء آل المبرقع (201 شهيدًا بلا قبر)، وآل شبر، وآل الصدر، وآل الحكيم، واغتال عشرات من السادة الأشراف وأسقط الجنسية عنهم، وارتكب أفظع المجازر في تاريخ العراق ضد شيعة أهل البيت باستخدام أساليب فاشية وحشية؟

ليس النسب وحده كافيًا يا رغد؛ فأبو لهب كان من أعمام الرسول (صلى الله عليه وآله)، لكن العبرة بمواقف الإنسان وسلوكه واحترامه لأرواح الناس وكرامتهم وأعراضهم وأمنهم، وهذا ما لم يفعله أبوك الطاغية، أشد أعداء أهل البيت وشيعتهم.
١٠ اب ٢٠٢٢

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى